الاثنين، 11 يناير 2016



ليه شايفني هندي

ركبت مع سائق أجرة من الجنسية الهندية , وتوسمت فيه الثقافة لاهتمامه بشكله ونظافة سيارته , فقررت فتح نوع من النقاش مع هذه النوعية من البشر المظلومين في ثقافتنا , فالهند أو الإنسان الهندي من أرقى البشر فكرا وعملا وذكاء , وليس أدل على ذلك من كون نصف عباقرة العالم في مجالات الكمبيوتر والتقنية هم هنود , يكفي أن ننظر للمالة في أغلب محلات وشركات البرمجة ليس في جدة بل في أمريكا نفسها سنجدهم من الهنود , أوليس الهنود من يطلق عليهم (أمة من العباقرة) ؟ اسأل العم قوقل فيجيبك , ولن أتحدث عن المعلومات التي تعج بها صفحات جوجل عن أسماء الهنود الذين تركوا بصماتهم العميقة في الكثير من عالم التقنية بمختلف مساراتها , فمن أراد المزيد فهي بين أصابعه بين طيات الشاشة السحرية .

وربما من سخرية الواقع وسُخف المُشَاهد أن يقول شخص لا يعرف كيف يفتح صفحة وورد في الكمبيوتر لغيره عندما يستغبيه ( ليه شايفني هندي ) !!!
نعود لسائقنا الهندي وسأختصر الحوار بما يفيد أصل الموضوع , بدأ النقاش كالعادة لأي سائق في مدينة جدة عندما يخرج أمتار قليلة من منزله ويدخل في مسلسل العنتريات لقائدي المركبات الطائرة هنا , ثم مسلسل الممارسات الغير معقولة , فمن أراد أن يتجاوز يفعل وقت ما يحلو له , ومن أراد أن يتوقف يفعل متى يحلو له , ومن أراد أن يقف بوسط الشارع ليتحدث أو ليشتري من بائع ما فليقف متى يحلو له , ومن أراد أن يخرج من شارع فرعي أو حتى من سور منزل أو مبنى دون الوقوف أو الانتظار فليفعل متى يحلو له , ومن أراد أن يزعج البشر بالمنبه لمجرد رؤيته للضوء الأخضر حتى لو يفصل بينه وبين الإشارة عشرون سيارة فليطلق العنان لأصابعه كيفما ومتى ووقتما يريد , ومن أراد أن يحتقر انتظار مئات السيارات عند (يوتيرن) الكورنيش ليقفز أمامهم ويدخل بعنوة وعنترية وحقارة واستخفاف فليقفز متى يحلو له , فقط عندما يوجد (ساهر) المغضوب عليه من كافة فئات الشعب , يحل النظام بقوة القانون وبشق الجيب , ويحل قانون ( ناس تحاف ما تختشيش) .
طبعا بمجرد تحرك السائق الهندي أمتار بدأت البصمة السعودية تداعبنا في الشوارع الرائعة من جميع النواحي .
سألت السائق الهندي :
(بطريقة عامية) كم لك وأنت تسوق في شوارع جدة ؟
رد منذ خمس سنوات , فقلت وكيف تتحمل هذه التصرفات يوميا ؟
ابتسم وقال : في البداية تعبت كثيرا ثم تأقلمت بعد وقت وجيز ثم أصبحت مثلهم .
فقلت : وهل أنت راض عن نفسك , فضحك وقال : ما معناه ( أكل العيش مر ) .
سألته : لو حُيرت في مكان عملك فأين كنت تختار؟
فقال بدون تردد : دبي
سألته : لماذا ؟
فقال : ما معناه , أي صديق من قريتي في الهند خرجنا سويا وفي يوم واحد أنا جئت لجدة وهو ذهب لدبي , ثم التقينا بعد ثلاث سنوات في قريتنا في إجازة , قبل كل شيء لاحظ أبناء قريتي وأصدقائنا المشتركين الفرق الواضح في كل منا من جميع النواحي , فمثلا كان هو الأقدر ماديا , الأكثر هدوءً , الألبق حديثا , وكان للأسف أكثر مني رقيا في تعاملاته وردوده ومجاملاته.
فقلت تداركا لوضعي الوطني , ولكن (يقولون) , أن دبي يسهُل فيها الانحراف الديني , فربما صديقك عرف طريق البارات وبنات الليل , بينما أنت أصبحت تعتاد المسجد وهكذا , فضحك ضحكة عرفت ما وراءها , ثم قال (صديق) في دبي كما في جدة من أراد طريق الانحراف أو طريق المساجد سيعرفه , في دبي كما قال صديقي حتى تمشي في طريق الخمارات وبنات الليل يتطلب الأمر مقدرة مادية ربما تصعب علينا , ومع ذلك بما معناه (لكل ساقطة لاقطة) , ففي دبي يعمل صديق من الصباح وحتى ساعة متأخرة من الليل ويتحصل على مبلغ يقدر معه على الصرف على تلك النوعيات من الحاجات , وفي جدة أعمل مثله وبعد خصم النفقات جميعها ما تبقى اقسمه بين معيشتي وبين أهلي في الهند , ولكن لو كنت أريد تلك الحاجات أستطيع توفيرها بأي سعر ممكن , فيوجد شراب محلي رديء رخيص السعر , ويوجد أشياء أخرى ربما مجانية أيضا لمن أراد البحث عنها .ولكنه أعترف أن البيئة الحاضنة له ولصديقه تختلف من حيث تسهيل توجه كل منهما لما يريد , خاصة من حيث القانون والحرية الشخصية والعادات ونظرة المحيطين بك .
فضحك ضحكة مفاجئة وقال :
( ولكن أنا في خوف خمسه سنة كمان يروح هند ما في مخ , وفلوس قليل , وصديق أنا فلوس كتير مخ كبير , مدير هلو , ناس كله خوف واهترام , وانا ييسلم هو ما في شوف أنا ) .

.
.
.
العودة للمدونة :
http://adelansare6.blogspot.com/
.
.